تونس تعزز دفاعاتها المالية رغم التقييمات المتشائمة

تونس تعزز دفاعاتها المالية رغم التقييمات المتشائمة

شكلت تحذيرات خبراء فيتش من أن تونس ما زالت تواجه مخاطر تمويل كبيرة بسبب عدم التوصل حتى الآن إلى اتفاق قرض مع صندوق النقد الدولي لترتيب أوضاعها، قوة كامنة للحكومة للالتزام أكثر بالإصلاحات من أجل كسب ثقة المانحين لوضع الاقتصاد على السكة الصحيحة.

تونس – عززت تونس دفاعاتها المالية الجمعة رغم ما عكسته التقييمات المتشائمة لوكالة فيتش بشأن آفاق التمويل الخارجي لتونس ما لم تتحسن في الوقت المناسب، فإن احتمال التخلف عن السداد قد يرتفع إلى ما هو أبعد من المتوقع.

ورغم النظرة السلبية للاقتصاد التونسي، لكن محللين يرون أن تونس تقوم بكل ما في وسعها من أجل استعادة ثقة أسواق الدين الدولية حتى تتمكن من جمع القروض لتمويل ميزانية هذا العام، بدليل الدعم التمويلي الذي قدمه البنك الدولي في الأشهر الماضية.

ورفعت فيتش في ديسمبر الماضي، تصنيف تونس السيادي إلى درجة + سي.سي.سي، مشيرة إلى اتفاق على مستوى الخبراء لقرض بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، تم التوصل إليه في منتصف أكتوبر الماضي.

ولكن في أواخر يناير الماضي، خفضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لتونس إلى سي.أي.أي 2، مع نظرة مستقبلية سلبية، مما فاقم مخاوف الأوساط الاقتصادية والشعبية على حد سواء.

وتونس في حاجة ماسة إلى مساعدات دولية منذ أشهر، في الوقت الذي تواجه فيه ماليتها العامة أزمة أثارت قلقا من احتمال تخلفها عن سداد ديونها، وأسهمت في نقص الغذاء والوقود، وفقا لمنتقدي الحكومة.

وتعرض الاقتصاد التونسي لعدة ضربات على مدى السنوات الماضية، إذ تسببت اضطرابات سياسية وهجمات مسلحة في الإضرار بقطاع السياحة الحيوي، حتى قبل بزوغ تحديات أخرى مثل الجائحة وشح السلع العالمية بفعل حرب أوكرانيا.

وعمقت قلة الموارد تحديات ارتفاع الدين العام في تونس، رغم تحقيق الحكومة فائضا نادرا في الميزانية العام الماضي، وهو ما زاد احتياجات التمويل، في بلد يكافح بكل الوسائل لتخفيف أزماته الاقتصادية المتراكمة.

وتعطي البيانات التي أظهرها تقرير نشرته وزارة المالية والاقتصاد العام الماضي نظرة فاحصة بشأن التحديات التي تواجه الحكومة، من أجل الالتزام بسداد القروض وفوائدها، والتي تشكل أحد العراقيل أمام نمو الناتج المحلي الإجمالي البالغ حجمه 40 مليار دولار.

وأشار التقرير إلى أن الدين العام بلغ نحو 105.7 مليار دينار (35 مليار دولار). وهو يتوزع بين دين داخلي بقيمة تبلغ 14.4 مليار دولار، ودين خارجي بقيمة 21.57 مليار دولار.

وقال وزير الاقتصاد سمير سعيّد الجمعة إن الحكومة تعمل على أن تكون الإصلاحات “ناجعة ومتوازنة”، في طريق الاتفاق النهائي على برنامج إقراض من صندوق النقد.

وتنتظر تونس تفعيل الاتفاق مع الصندوق بشأن قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، بعد حصولها على موافقة على مستوى الخبراء منذ أكتوبر الماضي.

ويشترط الاتفاق إصلاحات تشمل نظام الدعم وكتلة الرواتب والمؤسسات العمومية المتعثرة، بهدف إنعاش المالية العمومية ودفع النمو الاقتصادي.

90 ألف برميل من الوقود تستهلكها تونس يوميا، في حين تبلغ الطاقة الإنتاجية للشركة التونسية لصناعات التكرير نحو 32 ألف برميل يوميا

وقال سعيّد إن “برنامج الإصلاحات جاهز من الناحية التقنية وتم عرضه على صندوق النقد”، مضيفا في تصريحات خلال مؤتمر بشأن قطاع الطاقة “يتم حاليا التعمق في آليات التنفيذ التي يجب أن تكون ناجعة وتكون هذه الإصلاحات متوازنة”.

وفي حين دعا الخبراء بصندوق النقد إلى أهمية توفر إجماع بين الحكومة وشركائها الاجتماعيين بشأن الإصلاحات، أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر المنظمات النقابية في البلاد، تحفظه على خطط الإصلاح.

ويشكو التونسيون من موجة غلاء وسط ندرة السلع الأساسية بجانب أزمة سياسية متفاقمة بين الرئيس قيس سعيّد وخصومه في المعارضة.

ويستعد اتحاد الشغل لتنظيم تجمع احتجاجي السبت أمام مقره المركزي بالعاصمة، ضد سياسات السلطة والأوضاع الاجتماعية.

ولكن في تأكيد على ثقة المؤسسات الدولية المانحة بشأن قدرة تونس على تجاوز محنتها، أكد وزير الاقتصاد أن المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة أقرضت بلاده نحو 280 مليون دولار لتمويل استيراد المحروقات.

وتسعى الحكومة التونسية إلى تأمين أكبر كمية ممكنة من المحروقات في السوق لتفادي الاضطرابات التي شهدتها السوق المحلية في بعض الأحيان خلال العام الماضي، رغم ما تمر به من أزمة مالية.

وتشير التقديرات إلى أن الاستهلاك اليومي من الوقود يوميا في تونس يبلغ قرابة 90 ألف برميل، في حين تبلغ الطاقة الإنتاجية للشركة التونسية لصناعات التكرير نحو 32 ألف برميل يوميا.

وعقب اندلاع الحرب في أوكرانيا، شهدت أغلب محطات البنزين بالبلاد العام الماضي شحا في المحروقات، مما أدى إلى تشكل طوابير طويلة للمركبات أمام البعض من المحطات القليلة، التي مازال بحوزتها كميات من المشتقات النفطية المتاحة للبيع.

وتكرار هذا المشهد على مدار أسابيع، اعتبره منتقدو الحكومة، وخاصة من مجتمع الاقتصاد، علامة أخرى على أزمة تتكشف في المالية العامة، التي ما فتئت تتسع يوما بعد يوم.

وفي مطلع يوليو الماضي، اضطرت الحكومة إلى اللجوء إلى مخزونها من المشتقات النفطية، بعدما عجزت عن توفير التمويلات اللازمة لشراء الشحنات من الأسواق الدولية، بسبب شروط المزودين بالدفع الفوري للشحنات عند التسليم.

وكشف تجار وبيانات الجمعة أن تونس استوردت كميات قياسية من زيت الغاز والديزل من روسيا الشهر الماضي، بعدما أجبر حظر يفرضه الاتحاد الأوروبي على منتجات النفط الروسية، موسكو على إيجاد مشترين جدد لمنتجاتها النفطية.

وأظهرت بيانات من شركة كبلر للتحليلات أن تونس استوردت نحو 77 ألف برميل يوميا من زيت الغاز والديزل الروسيين في فبراير، مقارنة بـ20 ألف برميل يوميا في يناير، و25 ألف برميل يوميا في ديسمبر الماضي.

وبحسب بيانات كبلر، سلمت شركة لوك أويل الروسية وشركة كورال إنرجي، ومقرها دبي، معظم كميات فبراير. وأظهرت البيانات أن كورال إنرجي سلمت كل واردات تونس من روسيا في يناير.

وليس من الواضح أن روسيا قد وردت المشتقات النفطية إلى تونس بأسعار تفاضلية كما فعلت مع حلفاء لها مثل الصين، التي تعتبر أكبر مستهلك للوقود في العالم.

ويتوقع صندوق النقد نمو الاقتصاد التونسي هذا العام بنحو 1.6 في المئة، قياسا بنحو 2.4 في المئة خلال العام الماضي.

العرب