وهم التزام المسار

وهم التزام المسار

أول درس نتعلمه في قيادة السيارات، ويعكس ضرورة، هو الالتزام بالمسار. يُحكى أن هذا الالتزام يضمن لنا الأمان ـ بعد الله ـ ويسهِّل علينا القيادة. وفي التعليم الجامعي، وتحديدًا في التعيين على وظيفتَي محاضر أو دكتور، يعد شرط امتداد التخصص شرطًا مهمًّا، والتنازل عنه غير مقبول؛ وذلك بحجة أن امتداد التخصص يضمن التحصيل المعرفي العالي، الذي تحرص الجامعات على وجوده في كوادرها. وفي الحياة تُرسم لنا مسارات بسبب الظروف الاجتماعية أو الثقافية، إضافة إلى البيئة المحيطة، وأحيانًا بحسب الجنس البشري أو العرق، وفي بعض الأوقات يعمل من حولنا لإقناعنا بأن المسار الواحد يضمن عدم الوقوع في الخطأ، إضافة إلى كونه امتيازًا يعني أن صاحبه يتصف بالهدوء والأدب والبُعد عن افتعال المشكلات، وذلك في المقولة الشهيرة لوصف الناس: "فلان يباري الساس".

جميع ذلك يقود إلى أن المسار الواحد هو المسار الآمن، وإن لم يكن كذلك فهو أهون الشرور، وأفضل الطرق السيئة. ولكن الأمر ليس كذلك إطلاقًا! فهذا ما يمكن تسميته بوهم التزام المسار، هذا الواهم الذي يجعل صاحبه يظن أنه في الطريق الصحيح بينما ثمة مسارات من الأفضل له لو انتقل لها، وترك مساره الآمن. ربما ما يجعلنا نتشبث بمثل هذه الأفكار البحث عن الأمان وإن كان أمانًا زائفًا؛ إذ نخشى أن نخوض التجارب الأخرى، وتغيير المسارات بحجج واهية كضمان الأمان، وحتمية الوصول، وموثوقية الطريق... إلخ. لا شيء مضمون، وخوض التجارب مهم، والتنقل بين المسارات يعطي تجارب متنوعة، ويصقل مهارات أكثر، ويكتشف المرء من خلالها ذاته.

التشبث بأقوال الآخرين، والتمسك بتجاربهم وكأنها نصوص مُنزَّلة، وتعاليم دينية، سينعكس على ما نريد، وسيحرمنا مما نحب؛ لذا التخلص من أوهام نعتقد أنها تضمن لنا الأمان ضرورة يجب العمل بها.. فالمسار الواحد لا يعني حتمية الوصول.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org