"هندسة الإمام".. بين النشــأة والاعتماد

تضم 52 عضو هيئة تدريس.. وتقبل سنويًا 150 طالبًا
"هندسة الإمام".. بين النشــأة والاعتماد

في قلب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية العريقة، عندما تمر بالمبنى رقم 308 من الصباح الباكر إلى ساعات متأخرة من المساء وتجده في حالة نشاط لا ينقطع فاعلم أنك تمر بمبنى كلية الهندسة الذي لا يعرف مصطلح الدوام المحدد، بل تعدى الأمر ربما ليصبح بيت أعضاء هيئة تدريسه الأول، وأسلوب حياتهم، في مشهد يشرح باختصار كيف استطاعت الكلية حديثة النشأة منذ 10 سنوات أن تحجز مكانها بين مؤسسات التعليم الهندسي المرموقة داخل المملكة.

البداية والمبشرات

وكما قيل إن صلاح الدرب في صلاح سالكيه، فإن المبشرات بالخير بدأت عندما عقدت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية النية على إنشاء كلية الهندسة لتكون ضمن صروحها الفكرية والعلمية والتي كانت ولازالت عمودًا أساسيًا للفكر المستقيم والتنوير في بلاد الحرمين الشريفين والعالم الإسلامي، فكانت التوقعات أن تكون الكلية صرحًا علميًا وثقافيًا ينطلق من ذلك الأساس اللوجستي القوي لتتكامل مخرجاتها العلمية والفكرية مع باقي صروح الجامعة.

وفي خطى متسارعة من الإعداد الدؤوب، تم إنشاء كلية الهندسة بعد موافقة مجلس التعليم العالي برئاسة خادم الحرمين الشريفين، وبدأت الدراسة الأكاديمية بالكلية في العام الدراسي 1431/ 1431هـ، وتقبل الكلية سنويًا حوالي 150 طالبًا للالتحاق بالأقسام العلمية المختلفة، يتم اختيارهم من الطلاب المميزين المؤهلين للإعداد العلمي المتميز الذي تقدمه الكلية للطلاب، وقد بدأت الكلية بأربع أقسام علمية وهي: الهندسة المدنية، والهندسة الكهربائية، الهندسة الميكانيكية، والهندسة الكيميائية، وفي العام الحالي تم -بحمد الله- إنهاء كل الإعدادات العلمية واللوجستية والحصول على الموافقات الرسمية لإنشاء قسم الهندسة المعمارية، وقسم الهندسة الصناعية، علاوة على التطوير والتحديث الشامل لكافة البرامج العلمية للأقسام المختلفة بالكلية، وذلك في إطار الدراسة المتواصلة لحاجة المجتمع وسوق العمل، وكذلك خبرة السنين السابقة من ملاحظات ومقترحات تطوير البرامج الدراسية.

رسالــة وهدف

بدأت الكلية رؤيتها الشاملة التي ارتبطت بالمجتمع وسوق العمل منذ نشأتها، وكان من مبشرات النجاح أن تتوافق الرؤية في أهدافها العامة مع رؤية 2030؛ ولذلك تحرص الكلية دائمًا أن تمثل النموذج المتميز والمثالي لكافة كليات الهندسة بجامعات المملكة العربية السعودية في تحقيق أهداف وطموحات رؤية المملكة بأعلى مستويات الجودة الشاملة، وذلك بتسخير العلم والعمل والاستثمار الأمثل في قدرات وكفاءات الكلية البشرية ومواردها المالية والتقنية، وتطبيق أفضل الممارسات وتعزيز عملية التخطيط والتنفيذ الاستراتيجي، وذلك عبر خلق بيئة تعليمية وعملية محفزة ومنتجة وجاذبة للكفاءات والمواهب الوطنية، وتخريج مهندسين بأعلى القدرات والمهارات المهنية بالتكامل مع القيم الإسلامية الأصيلة، والمساهمة في خدمة المجتمع من خلال الدورات والتدريب والندوات وورش العمل بأحدث التقنيات العلمية بواسطة الكوادر البشرية المميزة التي تضمها الكلية.

وتزامن ذلك مع السعي الدؤوب للحصول على اعتماد الجودة الدولي والذي يخدم خريجي وأعضاء هيئة التدريس بالكلية ويعطي ثقة محلية ودولية لبرامجهم الأكاديمية، ويعتبر الحصول على اعتماد ABET شهادة دولية تعطي ثقلًا علميًا مرموقًا واعترافًا دوليًا بجميع أنحاء العالم بخريجي الكليات الحاصلة على ذلك الاعتماد، علاوة على التقدير الذي تحظي به الدولة باعتبارها الجهة الراعية والحاضنة لتلك المؤسسة العلمية، ويتطلب الحصول على ذلك الاعتماد جهودًا جبارة تقوم بها المؤسسة العلمية لرفع مستوى الجودة وتطبيق المعايير الدولية المطلوبة للاعتماد بمنتهى الدقة، ويتخلل ذلك عدد من التقارير المفصلة والموثقة من الكلية وزيارات لفريق الاعتماد الدولي من عدة جنسيات مختلفة للتأكد من التطبيق والالتزام الكامل بمعايير الجودة المطلوبة بجميع الأنشطة العلمية والأكاديمية بالكلية .

التميز منهج عمل

شكلت معايير الجودة العالمية هدفًا استراتيجيًا للكلية منذ نشأتها كوسيلة ومنهج عمل لضمان تحقيق أهدافها ورؤيتها وتميزها الوطني والدولي، وعملت الكلية أيضًا في مسار متوازٍ لتحقيق المعايير المطلوبة للحصول على الاعتماد الوطني (NCAAA) والذي شارفت الكلية على تحقيق كافة متطلباته.

جهود وتحديات

لم تعرف بيئة العمل بهندسة الإمام الاستسلام أو التعلل بأي معوقات لتحقيق التكامل بين جودة المخرجات العلمية والأكاديمية وتحقيقًا للأهداف المرسومة وخطتها الزمنية سواء تطوير البرامج العلمية وإعداد البرامج العلمية الجديدة، وكذلك تحقيق أعلى متطلبات وشروط اعتماد الجودة الوطني والدولي خلال أسرع وقت ممكن بعد نشأة الكلية. فعلى سبيل المثال بدأت كلية الهندسة كضيفة بمبنى كلية اللغات والترجمة لعدم تعطيل الطلاب عن الالتحاق ببرامجهم الأكاديمية، بالتوازي مع إعداد المبنى الجديد للكلية والذي شارف على الانتهاء وفق أعلى المعايير الدولية لمؤسسات التعليم الهندسي بمتابعة من لجان الكلية المعنية بجميع التخصصات، وبرغم قضاء تلك الفترة في المبنى غير المعد أساسًا كمنشأة تعليم هندسي واستطاعت الكلية بالجهود الذاتية ودعم إدارة الجامعة تحقيق كل متطلبات الأمن والسلامة واشتراطات المعايير الدولية لمنشآت التعليم الهندسي.

وبرغم ذلك ستشهد أيضًا الكلية -بإذن الله- طفرة في مستوى القاعات والمختبرات واوسائل تعليمية مساعدة عند الانتقال للمبنى الجديد والذي تبذل الكلية الجهد الحثيث مع كافة الجهات المعنية لسرعة إنجازه والانتقال إليه خصوصاً مع بداية العمل بالبرامج الهندسية الجديدة وتشمل الهندسة الصناعية والمعمارية.

تحقيق المسارات المتوازية من رفع مستوى المخرجات وتحقيق خطط التطوير لم يواجه فقط تحدي سرعة الإنجاز والمنشأة المؤقتة للكلية، بل واجه أيضًا تحدي النقص النوعي لعدد أعضاء هيئة التدريس بالكلية منذ نشأتها، حيث حرصت الكلية على انتقاء دقيق لكادر أكاديمي مميز دوليًا يتمتع بالخبرة العلمية التدريسية والعملية لتخريج طلاب مميزين سواء بسوق العمل أو المجال البحثي، وذلك بالإضافة إلى الإجراءات المطلوبة لتعيين الكوادر الوطنية واستقدام الكوادر الأجنبية المميزة، كل تلك العوامل مع حداثة نشأة الكلية أدت إلي نقص عدد أعضاء هيئة التدريس بالبرامج الأكاديمية المختلفة، حيث تعمل عمادة الكلية وإدارات الأقسام بصورة حثيثة بالتعاون مع إدارة الجامعة على تسريع عمليات التعيين والاستقطاب للكوادر المميزة محليًا ودوليًا. وبالرغم من تلك المشكلة وبسبب تميز الكوادر البشرية بالكلية وإخلاص النية والعمل بروح الفريق لم يؤثر ذلك على الجدول الزمني للأهداف الموضوعة، ولم يمنع ذلك بصورة كبيرة أعضاء هيئة التدريس من إصدار المخرجات البحثية من مقالات علمية ومشروعات بحثية بصورة مشرفة قياس على الأعباء التدريسية والمهام الموكلة إليهم بخطط التطوير والتحديث .

كوفيد 19.. نحن على استعداد

لم تكن عقلية العمل الجماعي التي لا تعترف بمعوقات لتستسلم لأي ظروف حتى لو كانت جائحة عالمية، فلم يكن من المستغرب في الأيام التالية لظهور أولى حالات الإصابة بالمملكة وقبل عدة أسابيع من بدء إجراءات الوقاية الوطنية أن تعقد مجالس الأقسام ومجلس الكلية اجتماعات طارئة لبحث كافة الإجراءات والسبل المتاحة لمواصلة العملية التعليمية بنفس الكفاءة والجودة في حالة تعطل الدراسة وبدء التعليم عن بُعد، وكذلك في حالة استمرار الدراسة الحضورية وإعداد الإجراءات الاحترازية، فتبادل أعضاء هيئة التدريس في مجموعات مشتركة الخبرات التقنية بالتدريب الشامل على استخدام منصة التعليم عن بعد الرسمية (Blackboard) في المحاضرات وكذلك إعداد الاختبارات عن بعد، مع تجنب أي حالات غش وتلاعب بكافة الأساليب الإلكترونية المتاحة، وأيضًا تم التدريب على استخدام المنصات البديلة في حالة حدوث أي طوارئ أو تعطل لشبكة المعلومات نتيجة أي ضغط متوقع بسبب التعليم عن بعد، كل ذلك وسط متابعة على مدار الساعة من عميد الكلية والوكلاء من خلال الجروب الخاص بالكلية على منصة الواتساب الذي يضم جميع أعضاء هيئة التدريس بالكلية، وكان على مدار الساعة يعج بالخبرات المتبادلة والمتابعات لتجارب أعضاء هيئة التدريس للتعليم عن بعد والخبرات المكتسبة. فمنذ اليوم الأول لتطبيق قرار التعليم عن بعد صارت جميع المحاضرات النظرية والعملية بصورة شبه طبيعية ولم تتأثر أبدًا متابعة المقررات والاختبارات المختلفة بالإجراءات الاستثنائية إلا بالشيء اليسير والذي كان سرعان ما يتم حله بالمتابعة الدقيقة من خلال مجموعات أعضاء هيئة التدريس والواصل مع الدعم الفني للجامعة والذي لم يدخر جهدًا لحل أي مشكلة على مدار اليوم، واستمر ذلك الإنجاز بسلاسة تامة حتى نهاية الفصل الدراسي والاختبارات النهائية، وظهر ذلك بصورة واضحة في الاحتفاظ بمعايير الجودة ومؤشرات الأداء المرتفعة خلال تقييم الاختبارات والنتائج في جميع البرامج العلمية.

الحصاد

لأن المعلومات والأرقام لا تعرف المجاملة فكل ما سبق لم يكن ليتحقق ويصبح واقعًا ملموسًا يشهد على الإنجاز إلا بأرقام ومعلومات حقيقية موثقة ومثبتة تؤكد حجم الإنجاز الذي حدث من البداية وحتى كتابة هذه السطور بعد حصول الكلية بشكل رسمي على الاعتماد الدولي نستعرضها باختصار في الفقرات التالية ويمكن للجميع الاضطلاع عليها بشكل مفصل من خلال موقع الكلية الذي تم تطويره بأحدث وأدق المعلومات الشاملة والتفصيلية لكل أنشطة وإنجازات الكلية الأكاديمية والإدارية وكذلك الملف الشامل لجميع أعضاء هيئة التدريس.

كوادر بشرية مميزة

كانت الدقة والإيمان المطلق بالكفاءة والتخصص والخبرة في بناء أي صرح علمي هو المعيار الأول لاستقطاب العناصر المميزة الوطنية والأجنبية، فضمت الكلية منذ بدايتها من الكوادر الوطنية شخصيات مرموقة ضمت قيادات من عمداء ورؤساء أقسام سابقين لمؤسسات هندسية وعلمية مرموقة حملوا على عاتقهم بناء صرح الكلية التعليمي واستقطاب باقي العناصر المميزة بجميع البرامج العلمية، واستطاعت تلك المجموعة استقطاب كفاءات وطنية وأجنبية حاصلة على شهادات علمية مرموقة من أكبر جامعات العالم، بالإضافة لخبرات مميزة في المجال البحثي والهندسي، وتضم الكلية في الوقت الحالي 52 عضو هيئة تدريس، علاوة على أكثر من 10 أعضاء هيئة تدريس تم التعاقد معهم، في إطار إنهاء إجراءات الاستقدام والتعيين الخاص بهم والتي تعطلت بسبب الإجراءات الاستثنائية الوقائية بالشهور الأخيرة.

تجدر الإشارة هنا -على سبيل المثال لا الحصر- إلى الأستاذ الدكتور هشام الدسوقي -رحمة الله عليه- الذي كان أحد دعائم بناء الكلية بقسم الهندسة الكيميائية، والذي كان أحد الخبراء الدوليين المرموقين في مجال تحلية مياه البحر والطاقة المتجددة، وله عدد من المراجع الدولية المرموقة بالمجال، وقام أيضًا بإنشاء أستاذ كرسي لتحلية المياه بالكلية واستقطاب مشروعات بميزانيات ضخمة بأكثر من أرعة ملايين ريال ساهمت في خدمة المجتمع، وكذلك مخرجات بحثية مرموقة كانت صورة مشرفة لكلية حديثة النشأة.

تجدر الإشارة أيضًا إلي الأستاذ الدكتور مايكل أورورا من الذين ساهموا في بناء الصرح العلمي بالكلية بقسم الهندسة المدنية بخبرته الواسعة كأستاذ وعميد سابق لكلية الهندسة بأحد أكبر الجامعات العالمية، حيث استطاعت الكلية من استقطابه للعمل بالكلية منذ نشأتها ولأكثر من سبع سنوات ساهم فيها بشكل كبير في حصول الكلية على الاعتماد الدولي.

وتضم الكلية أيضًا إلى الآن عددًا من الأساتذة الذين كانت لهم خبرات وإسهامات مرموقة في المملكة نفسها كانت على سبيل المثال مشاركة اثنين من أساتذة قسم الهندسة المدنية في تصميم برج الساعة بمكة المكرمة خلال عملهم كخبراء استشاريين بالشركة المنفذة التي ضمت خبراء عالميين شاركوا في بناء هذا الصرح العملاق الذي تفتخر به الأمة الإسلامية بأطهر بقاعها المقدسة بمكة المكرمة.

كل ذلك كانت إشارات سريعة لبعض الخبرات المميزة لأعضاء هيئة التدريس بالكلية وموضحة تفصيليًا بموقع الكلية وتضم أيضًا عشرات الخبرات بالاستشارات الهندسية وحل المشاكل المجتمعية المتعلقة بالصناعة والأنشطة الهندسية قاموا بنقلها للطلاب للمساهمة في تخريج عناصر فعالة ومميزة بسوق العمل والبحث العلمي محليًا ودوليًا.

مخرجات بحثية مميزة

شملت المخرجات البحثية للكلية عددًا من الاتجاهات ضمت أوراقًا بحثية بمجلات عالمية مرموقة وكذلك العديد من المؤتمرات العلمية الدولية والمشاريع البحثية التطبيقية المشتركة بتمويل من الجامعة أو من مدينة الملك عبدالعزيز، وتشمل المخرجات البحثية لمنسوبي الكلية قرابة 900 ورقة علمية بالمجلات الدولية المرموقة آخر عشر سنوات وثلاثمائة حضور ومشاركة بمؤتمرات دولية لأعضاء هيئة التدريس، وكذلك حوالي 20 مشروعًا بحثيًا تطبيقيًا في موضوعات ترتبط بسوق العمل واحتياجات المجتمع في المجال الهندسي.

ومن الدلائل الأساسية والهامة على مدى جودة الأبحاث والمخرجات العلمية للكلية هي مقدار الاستعانة والاستدلال بها في الأوراق العلمية الأخرى في نفس المجالات (Citations) والذي وصل إلى أكثر من 10 آلاف إشارة وهو ما يمثل دلالة واضحة بالنسبة لعدد المخرجات العلمية على تميز الأبحاث الخاصة بأعضاء هيئة التدريس بالكلية.

أخبار قد تعجبك

No stories found.
صحيفة سبق الالكترونية
sabq.org