هل يمكن تجميد عضوية تركيا بـ«الناتو»؟

نجاة السعيد

تسببت العمليات العسكرية المستمرة لتركيا في شمال سوريا، والتي أطلق عليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «منبع السلام»، في حالة من الفزع بين حلفائها في حلف «الناتو»، وفي ظل هذه الانتهاكات الخطيرة وجرائم الحرب، بما في ذلك القتل العمد والهجمات غير القانونية التي أسفرت عن مقتل وإصابة مئات المدنيين خلال العدوان على شمال شرق سوريا، تتزايد التساؤلات عما إذا كان بإمكان الحلف طرد تركيا؟ فقد وصف الرئيس الفرنسي العملية العسكرية التركية باعتبارها «ضرباً من الجنون»، محذراً من أنها قد تتسبب في فرار المتطرفين المحتجزين لدى «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، وفي انبعاث «داعش» مجدداً. وبرأي الرئيس الفرنسي، فإن ما يحصل في شمال شرق سوريا «خطأ جسيم ارتكبه الغرب والحلف الأطلسي في المنطقة»، وأن إحدى نتائجه ستكون «إضعاف مصداقيتنا في إيجاد شركاء في المنطقة يثقون بنا، ويقاتلون إلى جانبنا، وهم متأكدون من حمايتنا الدائمة لهم».

كما أعلن رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، الجمعة الماضي، «أنّ الاتحاد الأوروبي لن يقبل استخدام الرئيس التركي قضية اللاجئين للابتزاز»، داعياً في الوقت نفسه إلى وقف العملية العسكرية التركية في الشمال السوري.

وقد ذهب آخرون أبعد من ذلك، فتوعد السناتور الأميركي ليندسي جراهام بـ«فرض عقوبات من الحزبين على تركيا إذا قامت بغزو سوريا»، وبـ«الدعوة إلى تعليق عضويتها من الناتو إذا هاجمت القوات الكردية التي ساعدت الولايات المتحدة في تدمير داعش». وقد اقترح النائب إليوت إنجل، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي، على الولايات المتحدة أن تفكر في طرد تركيا من «الناتو». وفي 13 أكتوبر، كشف وزير الدفاع الأميركي، مارك إسبير، أنه حذّر تركيا قبل توغلها في الأراضي السورية من مثل هذه العملية أو مواصلتها، إذ أن ذلك «سيضر بالعلاقات الأميركية التركية وببقاء تركيا في الناتو».

إلا أن سيناريو طرد تركيا من الحلف يقابل بتردد من بعض الأعضاء، بمن فيهم الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، الذي امتنع عن انتقاد الانتهاكات التركية في سوريا، واكتفى بالدعوة إلى وقف القتال، مشيراً إلى أن الحلف لا يلعب أي دور في سوريا، باستثناء المساعدة في تنفيذ عمليات استخباراتية، وتنظيم حركة الطيران فوقها.

إن هذا التردد يعود إلى عدة أسباب، أهمها أن تركيا تعد ثاني أكبر قوة عسكرية في الحلف بعد الولايات المتحدة، ويسهم استمرار عضويتها في «الناتو» في احتواء الخلافات القديمة بينها واليونان. كما يعول «الناتو» بشكل ملموس على قاعدة إنجرليك كمنطلق أساسي لأنشطته في الشرق الأوسط، فضلاً عن وجود أسلحة نووية أميركية في ذلك الموقع العسكري الحساس، بالإضافة إلى أن تركيا تحظى بموقع جغرافي استراتيجي، وخاصة سيطرتها على مضيق البسفور، الممر المائي الوحيد من وإلى البحر الأسود.

ورغم أن المادة 3 من معاهدة شمال الأطلسي تلزم الأطراف بتطوير التحالف العسكري، فإن هذا الالتزام يهدف إلى متابعة أهداف المعاهدة، ومنها أن حلف «الناتو» ليس مجرد مجتمع مصالح، ولكنه أيضاً مجتمع قيم، وبالتالي فإن واجب تطوير القدرات العسكرية والتعاون لتحقيق هذه الغاية لا يلغي الالتزام بتعزيز مبادئ الديمقراطية والحرية الفردية وسيادة القانون.

قد يبدو لبعض أعضاء حلف «الناتو» أن طرد عضو من الحلف يمثل إجراءً متطرفاً، لكن من الممكن تجميد العضوية لأنه لا العقوبات الاقتصادية ولا الهدنة، متمثلة في وقف إطلاق النار ستجدي نفعاً مع هذه العنجهية الخرقاء، متمثلة في انتهاكات الرئيس التركي، والتي يتعين كبحها وكبح المطامع العثمانية الجديدة معها، وليس تركيا كدولة.

* نقلا عن "الاتحاد"

العربية نت

اثنين, 21/10/2019 - 15:58