الى أين يتجه العالم العربي؟

حسن العطار

يعتبر الشرق الاوسط في الوقت الحالي من أكثر المناطق الملتهبة في العالم، التي تعاني مرارة الحروب الأهلية وسفك الدماء المتواصلة على امتداد سنوات طويلة، والعالم العربي هو محط أنظار مختلف الدول الكبرى والامبريالية والصهيونية ذات الاطماع التوسعية التي تسعى الى بسط سيطرتها ونفوذها وهيمنتها على كامل المنطقة العربية، وتطويع جميع الانظمة العربية تحت لوائها ومظلتها سعيا منها للسيطرة على الثروات والموارد الطبيعية كآبار النفط والغاز وغير ذلك. ولتحقيق أهدافها فان هذه القوى الأجنبية وعلى رأسها الولايات المتحدة واسرائيلتحاولان جاهدتان تحويل المنطقة بأكملها الى قاعدة عسكرية، والزج بدولها في حروب اهلية طاحنة على أسس طائفية وإثنية،وصراعات إقليمية، والتنكر لطموحات شعوبها بالتحرر والاستقلال، ومنع تأسيس مجتمعات مدنية حضارية وديمقراطية عربية .

تسببت مجموعة من الانتكاسات في أواخر الستينات من القرن الماضي، لا سيما هزيمة العام 1967م على يد إسرائيل في تقويض مبادرة الوحدة العربية على نحو كان من الصعب تجاوز آثارها، ولفترة قصيرة بدت الرؤية العربية وكأنها قد استعادت جزءا من عافيتها مع الأداء البارز عسكريا ودبلوماسيا في حرب أكتوبر 1973م. بعد ذلك بقليل، اندلعت الحرب الأهلية في لبنان عام 1975م وقام السادات بمبادرته الفردية تجاه الصلح مع إسرائيل، وسار العراق على طريق الحرب مع النظام الإسلامي الجديد في إيران من سبتمبر 1980م حتى أغسطس 1988م. هذه الأحداث وأحداث اخرى تبعتها لاحقا، اكثرها خطورة وضررا على العالم العربي كان الغزو العراقي للكويت في الثاني من شهر أغسطس العام 1990م، أدت إلى تقسيم العالم العربي أكثر مما كان عليه الحال قبل ذلك، وبدت الجامعة العربية عاجزة عن مواجهة هذه الانقسامات. وفي العشرين من شهر مارس عام 2003م تم غزو العراق واسقاط نظام "صدام" من قبل الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا. وما زال العالم العربي يلعق جراحهمنذ انتفاضات الربيع العربي أواخر العام 2010م وحتى يومنا هذا.

ما يميز الحالة العربية الراهنة، بعد انتكاسات الربيع العربي، هو تعمق الأزمات السياسية الداخلية وازدياد الفقر وارتفاع نسبة البطالة والفساد السياسي والمالي في المجتمعات العربية، فضلا عن سيطرة الفكر الاصولي الذي ادى الى موجات الارهاب والقتل والدمار. ان الاضطرابات والفوضى والحروب الأهلية في كل من سوريا وليبيا واليمن ما زالت بعيدة عن نهايتها، وما زال الغموض يكتنف الوضع المستقبلي في الشرق الأوسط، ولا يمكن التكهن بمعرفة الى أين تتجه التحولات العنيفة الصعبة في المنطقة ؟ وكيف ستؤثر على البيئة الجيوسياسية. وهل سيتغير التوازن بين مصالح القوى الكبرى والدول الغنية بالنفط والموارد الطبيعية في المنطقة؟ 

على الرغم من قتامة الصورة في الوقت الحالي، إلا أن التغيرات الديموغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في هذه المنطقة قادمة لا محالة، فهل للحكومات العربية رؤية واضحة للمستقبل؟ وكيف ستضمن سلامة وأمن أراضيها وتوفير بيئة سليمة وآمنة، والقضاء على الإرهاب والعجز العلمي والمعرفي وتجفيف منابع التراجع الحضاري، وتمكين الشعوب العربية منلعب دور محوري في المنظومة العالمية الجديدة؟ ولن يكون للتغيير مستقبل والمرأة العربية تقبع على هامش الحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بينما تلاحقها في بعض الأقطار العربية قوى التعصب والردة والانغلاق. كما تشير تقارير "التنمية الإنسانية العربية" إلى أن نسبة الأمية بين النساء في المنطقة العربية تعتبر من أعلى النسب في العالم، وإلى أن مشاركتهن في الحياة السياسية والاقتصادية ضعيفة حتى عند مقارنتها بالدول النامية. كما تعاني المرأة العربية من التمييز في فرص التعليم والعمل، وتتعرض للعنف بأشكال شتى، تصل إلى الضرب والايذاء الجسدي والقتل في بعض الحالات. وعليه، كيف يكون للعرب مكان في هذا العصر في ظل هذا الخلل الجسيم في بنية مجتمعاتهم؟

من هنا يمكن القول، إن مستقبل التغيير في عالمنا العربي رهن بالتصدي لكل تلك الإشكاليات الآيديولوجية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، والانطلاق في ذلك من رؤية إنسانية ليبرالية تقدم حقوق الإنسان على أساس المساواة المدنية والوطنية، وتؤكد الفصل بين السياسي والديني، وانتظام الدولة في السياق المؤسسي الحداثي، حيث تواجه الفساد السياسي والمالي والأخلاقي، وتعيد النظر في واقع المرأة العربية وتخلفها التاريخي، لتذهب في اتجاه تنمية شاملة عادلة تنزع فتيل الفتن والحروب الأهلية. من هذه المقدمات الأساسية في رأينا يبدأ التغيير الجذري في المجتمعات العربية. إننا الآن أمام تحديات تاريخية سيتقرر على أساسها مستقبلنا كأمة وكحضارة.

إن المسؤولية تقع على الكل وليس على فرد بعينه أو حكومة بعينها، وعلينا جميعا تولي زمام المبادرة في الضغط من أجل إحداث التغيير العلمي والمعرفي والثقافي، والانفتاح على العالم بثقة، ورفع الحظر عن العقل العربي النقدي، ووضع المزيد من الثقة في أن الشعوب العربية قادرة على النهوض والخروج من هذا المأزق الحضاري.

إيلاف

سبت, 24/08/2019 - 13:12