وجهة نظر: جدل حول الضربات الجوية لتنظيم الدولة الاسلامية

أثار القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة وحلفاؤها من دول الغربية وبعض الدول عربية لشن ضربات جوية تستهدف مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا جدلا بين الخبراء.

نطرح وجهة نظر اثنين من الخبراء، رسائل بريد الكتروني متبادلة، حول تلك الضربات العسكرية لمعرفة ما إذا كانت مبررة أم لا وإمكانية تحقيقها النجاح.

تشارلز ليستر

ويعمل ليستر كأستاذ زائر بمركز بروكنغز في الدوحة، كما يرأس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز تقييم وتحليل الإرهاب والتمرد آي إتش إس جينس، ويركز في أبحاثه على التهديدات الأمنية على مستوى ما دون الدولة.

ويرى ليستر أن انعدام الاستقرار في سوريا والعراق لم يؤدي فقط إلى ظهور عشرات الجماعات الجهادية السنية بل وأن تعمل تلك الجماعات على تعزيز وجودها في منطقة ذاع صيتها كملجأ آمن للإرهاب بطريقة لم يعرفها التاريخ الحديث.

وأدى زحف تنظيم الدولة الإسلامية، الذي عرف سابقا باسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، في أرجاء العراق وتوسعه في شمالي وشرقي سوريا إلى سيطرته على مساحات تصل إلى نحو 680 كيلومترا. وتعني سيطرتهم على الموارد أنهم يكسبون بين 1.5 مليون إلى مليوني دولار يوميا.

وفي ذات الوقت رسخت "جبهة النصرة"، التابعة لتنظيم القاعدة، نفسها داخل الثورة السورية. وبهذه الطريقة، قضت الشهور الأخيرة، بين 9 الى 12 شهرا، في تجنيد عدد كبير من قدامي مقاتلي تنظيم القاعدة في أفغانستان وباكستان، الذين يكنون بالتأكيد نوايا عداء دولية.

كما أن هناك عشر جماعات متشددة أخرى، لها جذور في الصين وروسيا والمغرب وأوزبكستان والسعودية وليبيا ومصر ولبنان – استقرت في سوريا.

لقد ثبت عدم قدرة قوات أهل البلد " ويقصد القوات السورية" على التغلب على هذا الواقع بالفعل. فكان من الضروري شن عمليات عسكرية للتحالف، واعتبارها عنصرا حاسما ضمن استراتيجية متعددة الأوجه ينبغي للقوى المحلية أن تقود زمام الأمور.

تعتقد الولايات المتحدة أن تنظيم الدولة الإسلامية يتألف من 31 ألف مقاتل
التعليق على الصورة، تعتقد الولايات المتحدة أن تنظيم الدولة الإسلامية يتألف من 31 ألف مقاتل

حسين موسيفيان

(السفير سيد حسين موسيفيان، أستاذ بجامعة برنستون ومتحدث سابق في المفاوضات النووية الإيرانية)

أضعفت "الحرب على الإرهاب" بقيادة الولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول الموقف الاستراتيجي الأمريكي، وأدت إلى إنفاق تريليونات الدولارات ومقتل عشرات الآلاف من الأشخاص إلى جانب نزع شرعية الغرض الأمريكي في الشرق الأوسط.

لم يفضي غزو الولايات المتحدة والحلفاء لأفغانستان في عام 2001 وفي العراق عام 2003، بالإضافة إلى سياسة دعمها للمعارضة السورية منذ عام 2011 إلى القضاء على الجماعات الإرهابية. وبدلا من ذلك، حولت هذه الممارسات تلك المناطق في العالم إلى ملاذ للإرهابيين والمتطرفين.

تلك الاستراتيجية الأمريكية تجاهلت الأسباب الثقافية والاجتماعية لارتفاع وتيرة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط. وينبغي لصانعي القرار الأمريكيين إدراك أن تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة وجبهة النصرة وبعض الجماعات المشابهة ليست فقط جماعات إرهابية فحسب، بل أيدولوجية جاءت من صلب المذهب السلفي الوهابي.

هذه المدرسة الفكرية تتمتع بقدر من الدعم في محيط الدول العربية السنية. فمن منظورهم، تعمد الولايات المتحدة إلى إعادة شن "الحرب على الإسلام" في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول. والحقيقة هي أن الولايات المتحدة ليس باستطاعتها محاربة تلك الأيدولوجية من خلال الضربات الجوية.

تقول الولايات المتحدة إن لديها استراتيجية شاملة لمحاربة التنظيم

صدر الصورة، AFP

التعليق على الصورة، تقول الولايات المتحدة إن لديها استراتيجية شاملة لمحاربة التنظيم
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه

شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك

الحلقات

يستحق الانتباه نهاية

ومن المفارقات أن الحلفاء العرب للولايات المتحدة الذين يشاركون حاليا في تحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية استثمروا على مدار عقود عشرات المليارات من الدولارات في نشر هذه الأيدولوجية المتطرفة في شتى أرجاء العالم الإسلامي، وللأسف مازالت هذه الممارسات مستمرة حتى يومنا هذا. وسوف يستمر تهديد الإرهاب طالما استمر نشر هذا التفسير الضيق غير المتسامح للإسلام.

علاوة على ذلك، لا تتصدى الاستراتيجية الأمريكية لأي من العوامل الرئيسية لظهور الإرهاب والتطرف ومن بينها التدخل الأجنبي والفقر والبطالة والتمييز والمهانة والظلم.

كما أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية ليس تحالفا دوليا ولا إقليميا شاملا.

فقائمة أسماء الدول لا تتضمن غالبية الدول الغربية الحليفة وأبرزها، العضو الوحيد في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في المنطقة، تركيا.

وربما تحقق الاستراتيجية الأمريكية الراهنة في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية من خلال شن ضربات جوية بعض النجاح القصير الأجل، لكن كما هو الوضع في أفغانستان والعراق وليبيا، سيكون للقوات البرية دور فعال في معاركها ضد المتشددين الذين يشنون حرب عصابات في العراق وسوريا.

فالولايات المتحدة والدول العربية المتحالفة معها ليست لديها قوات برية ولا حلفاء محليين محل ثقة يمكنها القتال على الأرض. كما أصبحت المعارضة السورية المعتدلة غير قادرة على الاستمرار في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وجماعة خورسان باستراتيجية الضربة الجوية الأمريكية الحالية.

وفي العراق، عزف غالبية الشيعة عن الانضمام للولايات المتحدة في معاركها ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

الميليشيات الشيعية بدعم إيران استطاعت وقف زحف التنظيم

صدر الصورة، AFP

التعليق على الصورة، الميليشيات الشيعية بدعم إيران استطاعت وقف زحف التنظيم

لكن يمكن للشيعة، بوصفهم القوة الوحيدة المنظمة والموحدة ذات الدوافع، أن تنهض بدور مهم في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية. وهم بالفعل أقوى الحلفاء ضد الإرهاب. فبطبيعة الحال تعد إيران والحكومة السورية وحزب الله والأكراد (في كردستان) حلفاء طبيعيين في هذه الحرب.

وأخيرا، إن كانت الولايات المتحدة تريد بالفعل أن تجتث جذور تنظيم الدولة الإسلامية، فعليها أن تتعاون مع إيران، فالتعاون الأمريكي الإيراني سيغير قواعد اللعبة.

تشارلز ليستر

أعتقد أن من سلبيات "الحرب على الإرهاب" تحديد دور الولايات المتحدة والحلفاء في شن ضربات جوية، والقاء عبء المسؤولية على القوى المحلية.

علاوة على ذلك، إن كانت "الحرب على الإرهاب" لها عواقب وخيمة، فهل اتفقت قطر والسعودية والأردن والبحرين والإمارات على النهوض بدور الآن؟ أشك في ذلك. فهو يتجاوز عامل التاريخ.

بالطبع لا يمكن أن يحارب المرء أيدولوجية، لكنه تهديد حقيقي وخاص للأمن المحلي والإقليمي والدولي. وترك هذه التهديدات دون تصدي بعد من السذاجة، فلم يستطع الرئيس السوري بشار الأسد ولا حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي التصدي بنجاح لهذه التهديدات. في واقع الأمر، لقد أوقف الأسد محاربة تنظيم الدولة الإسلامية على مدى 12 شهرا بين منتصف عام 2013 ومنتصف عام 2014!.

يقول بشار الأسد إنه يدعم الجهود الدولية "لمحاربة الإرهاب"

صدر الصورة، AFP

التعليق على الصورة، يقول بشار الأسد إنه يدعم الجهود الدولية "لمحاربة الإرهاب"

لكن وبمنتهى الوضوح، لابد من وجود قوى محلية وحاسمة محل ثقة تستطيع أن تتصدى للجهاديين. وليس محتملا أن تحقق القوة الجوية أكثر من عملية احتواء.

وعلى الرغم من أن التقارب الأمريكي- الإيراني ينطوي على تحقيق مزايا محتملة، لكن هذه الخطوة ستستغرق وقتا وتتجاوز تنظيم الدولة الإسلامية. لقد فشل الأسد في أن يكون شخصية توحد الصف في سوريا، وفي هذه المرحلة، تبدو إيران غير راغبة في المضي في هذا التحالف طويل الأجل.

حسين موسيفان

نحتاج من أجل اجتثاث جذور تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات التكفيرية الإرهابية المشابهة لها وأيدولوجيتها المتشددة إلى استراتيجيات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل تتسم بالشمول والواقعية. وينبغي لجميع القوى الإقليمية والدولية الرئيسية أن تشارك وتتعاون.

ظهر تنظيم الدولة الإسلامية وصعد من خلال عقود من الدعم المالي في خلق تلك الأيدولوجية، ومؤخرا من خلال المساعدات المالية والعسكرية للدول السنية والحلفاء الغربيين، الذي يشاركون في التحالف الراهن لقمع الشيعة وإيران. والآن أدرك التحالف أن تنظيم الدولة الإسلامية يرغب في السيطرة هذه الدول السنية وسيكون بمثابة تهديد كبير للغرب.

وعلى الرغم من ذلك خلق تنظيم الدولة الاسلامية فرصة للشيعة والسنة لحشد الموارد والقدرات والجهود بدعم من المجتمع الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات التكفيرية الإرهابية الأخرى.

وقد يفتح الحل السلمي للازمة الايرانية الباب لحوار واسع وتعاون بين ايران والولايات المتحدة. لكن السياسة الأمريكية التي تركز فقط على القضية النووية أصبحت خطأ استراتيجيا كبيرا.

أنصار جماعة جبهة النصرة نظموا مسيرة ضد التحالف بقيادة الولايات المتحدة

صدر الصورة، AFP

التعليق على الصورة، أنصار جماعة جبهة النصرة نظموا مسيرة ضد التحالف بقيادة الولايات المتحدة

كانت إيران مستعدة لحضور محادثات جينيف 2 في عام 2013 بشأن سوريا، لكن الولايات المتحدة والحلفاء الإقليميين رفضوا السماح لها بذلك.

حتى الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد أراد الحديث مع الولايات المتحدة بشأن طائفة من القضايا. وفي فبراير/شباط، دعت إيران مارك غروسمان، الذي كان وقتها ممثلا خاصة للولايات المتحدة لأفغانستان وباكستان، للقيام بزيارة رسمية لإيران لمناقشة قضية أفغانستان، لكن واشنطن رفضت الدعوة مرة أخرى.

الحقيقة هي أنه بدون مشاركة وتعاون فعالين لإيران، سيفشل التحالف الدولي لواشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية لنفس الأسباب التي حدثت بعد "الحرب على الإرهاب" عام 2001 ضد تنظيم القاعدة وفي سوريا بعد عام 2011.

تشارلز ليستر

أوافق بالطبع على أن أي استراتيجية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات الأخرى ينبغي أن تضم تحالفا متعدد الجنسيات بقدر الإمكان، وبالطبع، يمكن في العالم المثالي، أن تلعب إيران دورا فعالا. لكن يتعين علينا عدم تجاهل الواقع وتعقيداته.

وعلى الرغم من أن إيران لعبت دورا مهما فعالا في التركيز على الجانب المنقسم على المالكي في العراق، نجدها أنفقت الكثير من أجل الحفاظ على وجود الأسد في السلطة، على الرغم من فشله في توحيد شعبه.

يثير توسع الجماعات الجهادية السنية في سوريا والعراق وبعض المناطق في لبنان قلقا إقليميا ودوليا. وإن تشكيل ودعم قوات متشددة تحارب بالوكالة خارج حدود الدولة يعد تطورا عالميا خطيرا، لاسيما عندما تتأسس على أسس طائفية.

وتمثل الضربات الجوية ردود فعل ضرورية قصيرة الأجل لتهديد فوري، لكنها ليست حلا طويل الأجل. سيظل التمرد الذي يتسم بالتطرف قائما، ويغتنم فرصة السياسات الفاشلة والمجتمعات المنقسمة لينمو. وتمثل سوريا والعراق هذا الواقع حاليا. واقتلاع هذه الجذور هو تحديد حقيقي في المستقبل.

بتنحية الضربات الجوية والجهاديين جانبا، يعتبر الصراع في سوريا مأزقا استراتيجيا، فليس باستطاعة الأسد ولا المعارضة تحقيق أي "فوز".

فمن خلال الحديث مع قيادات المعارضة السورية بجميع أشكالها، يوجد قبول ضئيل (خاص) بأن تحقيق السلام يعني التوصل إلى حل وسط، من بينه الاعتراف ببعض المصالح الإيرانية والروسية في سوريا مستقبلا بعد الأسد.

وبمنطق بسيط، يوفر ذلك فرصة للولايات المتحدة وإيران للعمل من أجل بناء مستقبل سلمي في سوريا، لكن ذلك سيستغرق وقتا وقيادة جرئية.

على الرغم من أن إيران تقف على الجانب المعارض للولايات المتحدة بشأن سوريا، فانها تدعو لتعاون ضد تنظيم الدولة الإسلامية

صدر الصورة، AP

التعليق على الصورة، على الرغم من أن إيران تقف على الجانب المعارض للولايات المتحدة بشأن سوريا، فانها تدعو لتعاون ضد تنظيم الدولة الإسلامية

حسين موسيفيان

هيأت مستجدات الوضع الإقليمي الساحة من أجل حل عاجل لتحول جديد في محاربة التطرف والإرهاب. كما أن سياسة الولايات المتحدة والحلفاء العرب الرامية لعزل إيران قد لا تدوم.

ومن المفارقات أن أكثر الدول استقرارا وأمنا اليوم هي إيران، فلديها بصيرة وقدرة على المساهمة الاستباقية في تسوية الأزمات الإقليمية. فلا يوجد ما يفترض أنه في العالم المثالي فقط، يمكن لإيران أن تلعب دورا كبيرا، فهي بالفعل تفعل ذلك، ومساعدة طهران في الوقت المناسب لحكومة بغداد كان عاملا رئيسيا أوقف مسار تنظيم الدولة الإسلامية.

ويعد استبعاد إيران من المؤتمر الأخير الذي عقد في باريس لتشكيل تحالف لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية خطأ فاحشا. استطاع المشاركون في المؤتمر – الولايات المتحدة والحلفاء العرب – تقديم مساعدات مالية ولوجيستية وعسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية على نحو مكنه من أن يصبح وحشا اليوم.

وكما وصفه وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، كان المؤتمر بمثابة تجمع لـ"تحالف التائبين" الذين يسعون إلى السيطرة على "فرانكشتاين الذي يطارد صانعيه".

باختصار، لا بديل للحرب على تنظيم الدولة الإسلامية أمام الأمريكيين والدول الحليفة سوى دمج طهران والتعاون معها.

فقد يكون هذا التحالف بوابة نحو إقرار الأمن الإقليمي الذي يواجه جذور هذه الظاهرة.