بريطانيا: بنك "إتش إس بي سي" يغلق حسابات جهات إسلامية

أرسل بنك "إتش إس بي سي" خطابات إلى إدارة مسجد "فنزبري بارك"، وعدد من المؤسسات الإسلامية في بريطانيا، يخبرها فيها بأن حساباتها في البنك سيتم إغلاقها.

وكان المبرر، الذي ذكر في بعضها، هو ان استمرار البنك في تقديم خدماته لتلك المنظمات، يقع خارج "حدود رغبته في المخاطرة".

كما اتصل البنك بزوجة وابني رجل يدير مركز بحوث إسلامي في لندن، لإبلاغهم بالقرار.

وأكد البنك أن قرارته بإغلاق تلك الحسابات "لا تستند إطلاقا إلى دين أو عرق"

وأضاف البنك أن "التمييز ضد العملاء على أساس عرق أو دين أمر غير أخلاقي، وغير مقبول وغير قانوني، والقواعد والسياسات العامة لبنك إتش إس بي سي تضمن ألا يكون الدين أو العرق عاملا مؤثرا في القرارات المالية".

"سبب وحيد"

وتم إرسال الخطاب من جانب البنك إلى مسجد فنزبري بارك شمالي لندن، في الثاني والعشرين من يوليو/ تموز الجاري.

وكان السبب الوحيد المذكور لتبرير اعتزام البنك إغلاق الحساب، هو أن "تقديم الخدمات المالية أصبح الآن يقع خارج حدود رغبتنا في المخاطرة".

ويخبر البنك في خطابه أمين صندوق المسجد، بأنه سيغلق حسابه اعتبارا من الثاني والعشرين من سبتمبر/ أيلول القادم.

لكن خالد عمر أحد أعضاء مجلس أمناء المسجد أبدى شكوكاً في الدوافع التي تقف وراء قرار البنك بإغلاق الحسابات.

وقال إن "الخطابات التي أرسلت إلينا وتسلمناها، لا تعطي أي سبب يبرر إغلاق الحسابات."

وأضاف أن هذا "جعلنا نعتقد أن السبب الوحيد وراء ذلك هو حملة كراهية الإسلام، التي تستهدف المنظمات الخيرية الإسلامية في بريطانيا."

"قرار صادم"

وقال محمد كوزبار مدير المسجد لبي بي سي: "البنك لم يتصل بنا قبل ذلك، ولم يعطنا أي فرصة حتى لمناقشة مخاوفهم."

وأضاف: "بالنسبة لنا فإن القرار صادم، نحن مؤسسة خيرية تعمل داخل بريطانيا، وكل أعمالنا هنا ولا ننقل أي أموال خارج بريطانيا، وكل أنشطتنا تمول من موارد مالية داخل بريطانيا".

وحتى عام 2005 كان يشرف على المسجد أبو حمزة، الذي أدين في مايو/ أيار الماضي بتهمة الإرهاب في الولايات المتحدة.

ويقول كوزبار: "العمل الإيجابي الذي قمنا به منذ أن تسلمنا إدارة المسجد من أبو حمزة، هو تغيير صورة المسجد. لا يوجد شيء يبرر قرار بنك إتش إس بي سي."

وأضاف: "لقد وضعونا في موقف غاية في الصعوبة، إنه الحساب المالي الوحيد الذي نمتلكه".

ويرى كوزبار أن هذا القرار قد تكون له تداعيات سلبية على البنك.

ويقول: "نحن واثقون بأن جاليتنا الإسلامية ستُحبط من قرار البنك، وربما تفكر في إغلاق حساباتها لديه إذا لم يعد فتح حسابنا، أو على الأقل يقدم لنا تفسيرا".

ويقول جيرمي كوربن عضو البرلمان عن منطقة إزلنغتون التي يقع المسجد ضمنها إنه عمل مع المسجد منذ إنشائه، مضيفا أنه "على مدار السنوات العشر الماضية، تطور المسجد كنموذج رائع لمسجد لجالية إسلامية، يساعد المواطنين المحليين ويقدم خدماته لأتباع كل الأديان إذا ما كانوا بحاجة لذلك".

وأضاف: "لقد صدمت وفزعت بسبب قرار بنك إتش إس بي سي".

"أمر مقلق"

يقول التكريتي إن ولديه أصيبا بالحيرة جراء قرار البنك

صدر الصورة، BBC World Service

التعليق على الصورة، يقول التكريتي إن ولديه أصيبا بالحيرة جراء قرار البنك
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه

شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك

الحلقات

يستحق الانتباه نهاية

وشملت الخطابات أنس التكريتي وهو من مواليد العاصمة العراقية بغداد، لكنه يعيش في لندن منذ عدة عقود. فقد تسلم وعائلته أيضا خطابات من البنك. وهو مدير "مؤسسة قرطبة" وهي مركز بحوث متخصص في القضايا الإسلامية، تأسس عام 2005 بهدف دراسة العلاقة بين أوربا والشرق الأوسط، حسبما يقول التكريتي.

وتلقى التكريتي وزوجته وولداه اللذان يبلغان من العمر 16 و12 عاما، خطابات منفصلة من البنك خلال الأسبوع الجاري، تخبرهم بأن حساباتهم سيتم إغلاقها في سبتمبر/ أيلول القادم، وهذه المرة لم يتم تقديم أي سبب لذلك القرار.

ويشير التكريتي إلى انه يتعامل ماليا مع بنك إتش إس بي سي منذ عام 1980، ولم يكن مدينا للبنك إلا في مرات نادرة.

ويقول: "إنه أمر مقلق، أنا لم اعتد على أن يتعامل أحد معي بهذه الطريقة، يبدو الأمر كما لو كنت قد ارتكبت خطأ ما، إدراج عائلتي في هذا الموضوع يزعجني، لماذا كل العائلة؟".

ويضيف: "أستطيع فقط أن أخمن، وأتمنى أن يشرح لي أحد من البنك لماذا تم إغلاق الحسابات. هذه المنظمات بالأساس منظمات خيرية، والرابط بينها هي أن العديد منها، إن لم يكن كلها، نشطة في ما يتعلق بالفلسطينيين"

وأردف: "سيكون من العار إذا كان هذا هو السبب فعلا، لكن بما أنهم قد تركوني للتخمين، فهذا هو السبب الوحيد الذي يمكنني أن أتوقعه."

وتلقت مؤسسة قرطبة التي يديرها التكريتي، والتي تتعامل ماليا مع البنك نفسه خطابا مطابقا تقريبا للخطاب الذي تلقته إدارة مسجد فنزبري بارك ومؤرخ بنفس التاريخ.

"ترتيبات بديلة"

صندوق رعاية الأمة ومقره في بلدة بولتن شمال غربي انجلترا، وزع 70 مليون جنيه استرليني على مشروعات خيرية في 20 دولة، ولديه حضور في غزة منذ نحو 10 سنوات.

وفي خطاب مؤرخ أيضا في الثاني والعشرين من يوليو/ تموز، أبلغ بنك إتش إس بي سي صندوق رعاية الأمة بنفس السبب، الذي أبلغ به مسجد فنزبري بارك وراء غلق حسابه، وهو أن "تقديم الخدمات المالية يقع الآن خارج حدود رغبة البنك في المخاطرة"

وأمهل البنك الصندوق مهلة شهرين قبل أن يتم إغلاق حساباته في سبتمبر/ أيلول القادم.

وأضاف الخطاب: "ستحتاجون إلى عمل ترتيبات مالية بديلة، حيث أننا غير مستعدين لفتح حساب آخر لكم".

ويقول محمد أحمد مدير صندوق الأمة، إن الصندوق من العملاء الذين يتمنى أي بنك التعامل معهم، وهو دائما لديه رصيد فيه.

وسأل أحمد بنك "إتش إس بي سي" خلال اجتماع عن سبب إغلاق الحسابات، لكنه يقول إن ممثل البنك لم يعطه إجابة.

ويقول أحمد إنهم "حرصوا دائما على التعامل مع بنوك ملتزمة بإطار العمل القانوني، إذا كان هناك على سبيل المثال أمر يتعلق بالعقوبات."

ويعرب أحمد عن اعتقاده بأن قرار البنك يرجع إلى نشاط الصندوق في غزة، حيث يقدم الصندوق خدمات "الإسعاف والمساعدات الغذائية والطبية والمنح."

ويضيف "نحن نتأكد من أننا نعمل مع منظمات غير حزبية. ما نعمله الآن هو أننا نتأكد عبر وكالة تومسون رويترز، من أنه ليس هناك أي صلة أيا كانت بين المنظمات التي نعمل معها وبين منظمات محظورة. نحن لا نريد أن يتضرر عملنا الإغاثي. نحن نبذل قصارى جهدنا لكي نكون محايدين في عملنا قدر الإمكان".

من جانبه أعرب مسؤول حكومي اتصلت به بي بي سي، عن اعتقاده بأن قرار البنك لا يرجع إلى إجراء حكومي، وإنما قرار اتخذه البنك نفسه بناء على تحليله الخاص للمخاطر.

وفي ديسمبر/ كانون الأول من عام 2012 اضطر بنك إتش إس بي سي لدفع 1.9 مليار دولار للسلطات الأمريكية، في تسوية حول قضية غسل أموال، وهي أكبر تسوية تدفع في مثل هذه القضية.

واتهم البنك حينها بالتورط في غسل أموال تابعة لعصابات تجارة المخدرات، ودول تقع تحت طائلة العقوبات الأمريكية.

وفي أغسطس/ آب من العام الماضي نقل عن بنك إتش إس بي سي، أنه طلب من أكثر من 40 سفارة وقنصلية ومفوضية عليا في بريطانيا غلق حساباتها.

وفي ذلك الحين قال البنك: "إننا نطبق برنامجا تدريجيا لتقييم جميع أعمالنا منذ مايو/ أيار عام 2011، وخدماتنا للسفارات ليس استثناء من ذلك."

وأكدت مفوضية المؤسسات الخيرية التابعة للحكومة البريطانية، أنها لا تجري أي تحقيقات مع المنظمات المشمولة بقرار البنك، لكنها قالت إنه إذا حرمت تلك المنظمات الخيرية من فتح حساب مالي مع أي بنك فإن ذلك سيقوض من ثقة الجمهور.